فصل: أدب البحث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم (نسخة منقحة)



.التدريس:

تفهيم الكتاب باللسان وطريقه للقاصر الترجمة فقط فيتبلد الذهنان. وللفالي ذكر ما أمكن حفظا ومراجعة فيعسر اليسير بالتعجيل ويطول زمان التحصيل وللمستعجل الاكتفاء بصدور الكتب بالدقة فيحوج إلى شغل ثان للاستيفاء والاقتصار على العد في العلماء وللحاذق من كل علم مبسوط وفي البداية تعليم متن سهل لمعرفة الاصطلاحات وأصول القواعد وشرح مستوف لفوائد القيود والأدلة والأبحاث والاختلافات المشهورة وحاشية لملكة التدقيق جرحا وتعديلا وترجيحا والاعتياد بوصل الخارج وجمع المنتشر فإن احتيج زيد.
ومن المختصر ما يكفي وضوابطه:
1- ضبط المشكل بنوع الحركة والسكون والإعجام والإهمال والتقديم والتأخير.
2- شرح الغريب لغة واصطلاحا.
3- كشف المغلق صيغة وتركيبا.
4- تصوير المسألة بتمثيل وتشكيل.
5- تقريب الأدلة بتصريح المطويات والوصل بالأصل.
6- تحقيق القواعد بفوائد القيود وسد الانكسار بلا فضول ولا إغلاق.
7- تنقيح التعريفات بهما وبالاستنباط المشترك والمميز من التقسيمات.
8- وجه الحصر والترتيب في الأقسام والأبواب.
9- تفريق الملتبسين من التوجيهات والتعليلات والأقوال.
10- تطبيق المختلفين من كلامي واحد ومتحدي مذهب.
11- التنبيه على الاستثناءات والإيرادات الظاهرة الورود ودفعها.
12- تفتيش الحوالة عن محلها.
13- بيان المبهم من وجوه النظر والأولى والصواب والسؤال المقدر.
14- الترجيح بين التوجيهات وإبداء الأسلم والأقرب منها وما علي كل.
15- سبب تغيير الأسلوب المعروف.
16- تعيين السؤال والجواب بنوعه ومنشئه ومورده.
17- حسن التقرير بإيضاح موجز.
18- الترجمة بلغة الطالبين.
19- إعمال فكره في حل ما يمكن منه.
20- حفظ اللسان عن سوء الخلق.
21- حفظ وضع المعترض والمجيب.
22- تلخيص المتشتت.
23- توزيع الفروع والعلل على ملفوف أو ملحوظ.
24- التيقظ عند ترتيب الأسئلة والأجوبة لأصل الإثبات والنفي.
25- الحذر عما يوجب سوء الفهم ويستوي فيه المنقول والمعقول البرهاني والخطابي إلا أن الاعتبار في الأول بتحقيق العبارات والربط أكثر وفي الثاني بالوصل إلى البديهيات أصولا والمسلمات فروعا وفي الثالث بالمناسبات الظنية.
فلا يزال ينبه عليها بما يتحمل حتى يتخذه ملكه بفكره ثم يعرض مطالعته على مطالعته وعلى الحواشي ويفهمه الغلط والحذر عنه ثم يمتحنه بتصنيف شرح أو حاشية يؤدي فيه حقه ويستحق الوثوق برأيه.

.التتلمذ:

فهم الكتاب بالاستماع بعد الصحة والمعاش ولو بالقناعة والشوق والجد ولو بالتحريص والفهم والحفظ ولو بالجهد والمداومة وحسن الظن مع الأستاذ ولو في الفن والكتاب الواضح الصحيح والأستاذ الماهر الشفيق ولو بالطمع- حقه:
1- صحة القراءة.
2- وتمييز الجمل.
3- والاستماع بتفريغ القلب.
4- والتثبت في الفهم.
5- واستكشاف ما خفي.
6- وعرض الشبهة بالأدب.
7- وجمع سابق البحث ولاحقه في الذهن.
8- وتقدم النظر ليكون أوقع وعلى بصيرة وفي البداية بحضور المعلم أنفع.
9- والمعاودة ليستقر وبالتقرير أجود.
10- والتحفظ للإحضار حيث ينبغي ومع الكتابة أحسن.
11- والامتثال لما يراه أصلح.
12- والاجتناب عما ينقبض به الخاطر.
13- وعن التعرض لبعيد المناسبة.
14- وعن الضجر من الحوالة فيما تعسر جدا فإنه:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ** ويأتيك بالأخبار من لم تزود

15- ولطالب التحقيق سلخ الألفاظ المتخيلة عن صورة للشيء يطابقها جميع صفاته ويلائمها جميع فروعه المتفقة عليها.

.التصنيف:

تأليف الكلام لتحريره نثرا ونظما والمراد ما في العلوم فما لم يتعلق بغيره صريحا فمتن أو تعلق متصلا فشرح مدمج أو مفصولا ب قال أقول ونحوها أو على الطفرة فتعليق وحاشية ومن كل وجيز ووسيط وبسيط وله أغراض سياقه بحسبها.
1- اختراع جديد.
2- ضبط قديم.
3- ترويج خامل.
4- جمع متفرق.
5- تجريد عن زائد أو فاسد لفظا أو معنى.
6- تتميم بلاحق كاستثناءات وقيود وأمثلة وأدلة ومسائل ومآخذ.
7- إبانة حق بدءا أو نصرا أو ذبا.
8- إزاحة باطل بكشف شبهة أو ضلالة.
9- اشتراك في تفرد.
10- إصلاح ترتيب.
11- تسهيل مغلق بحل أو بسط.
12- انتزاع أصل من منتشر.
13- تفريع شعب لمجمل.
14- تحقيق مقام أو كتاب أو فن بجمع ماله وعليه.
15- تبديل نثر بنظم.
16- ولغة بلغة أخرى ودون له والدي- رحمه الله تعالى- قوانين الترجمة.
17- وتتركب كثيرا.
فبعد إتقان اللغة والفن وسليقة الإيجاز والإطناب يستعان فيه بما مر ففي الشروح والحواشي الحل بضوابط التدريس وفي إعانة الحق بالمنطق وفي الرد بأسئلة المناظرة وفي التوجيه بأجوبتها مع النحو والبلاغة والأصول وفي بعض بسليقة البيان وفي طائفة بالتتبع والتبحر وأمثالها مع مزيد التحفظ في النقل والنقد وحسن التقرير إيجاز أو بسطا بحسب المحل وحفظ الوضع من المذهب والمنصب فإن من صنف استهدف. ويكون لخصوص الكتاب من المقدمات مثل ما في مقدمة العلم مع الزمان والمكان والرموز فليجمعها في واحدة أو ليقدم في الديباجة على مقدمة العلم.

.المطالعة:

النظر في الكتاب بفهم المراد والخلل وبعد اقتناء اللغة والاصطلاح وملكة الترجمة تتمم بأنظار ثلاثة تداخلت أو تعاقبت:
الأول: للإحاطة بالمعاني الثانوية وتمييز المذكور عن المتروك وبعض الجمل عن بعض والطرفين عن القيود.
والثاني: لمعرفة فوائدها والمعاني الأولية وجديد التصرف وربط الأدلة والأبحاث فيما بينها استقامة واعوجاجا بما في التدريس.
والثالث: للنقد بالهدم والتشييد والنقد والترصيف ويفهم المعنى:
1- بعبارة الكلام من لفظه بلا شبهة قصدا.
2- وإشارته كذلك ضمنا.
3- وعمومه لبيان الفردية.
4- والإدراج فيه لمبينها بعد خفاء لكمال أو نقص أو ثبوت الركن وفقد اللوازم العرفية ونحوها.
5- وتقديره لمحذوف يشهد له العرف بلا روية.
6- وإيمائه لترجيح أحد محتمليه بقاطع أو ظني كشهادة كلام ثان له أو عدم اجتماع الأوصاف في غيره وكونه أهم المقاصد. أو أدنى مصداق أو فائدة لولاه لبطل ولغي أو قربه معنى أو مزيد نفعه أو نحوه.
7- وإشعار من سياقه كالتقديم والتأخير والعدول وجواب الوهم والانطباق والحذف حيث يذكر والإدارة على الوصف والتعقيب بأن في التنزيل شبهها.
8- ومقامه كالتيسير والتشديد والفخامة والحقارة والتدقيق والمسامحة والاهتمام والتبعية.
9- وتجوزه لتعذر الحقيقة وقيام القرينة.
10- وكنايته لعدم وفاء الصريح بالغرض وإن صح.
11- وتعارفه من زيادة لفظ وبيانية إضافة والتكثير بالواحد والاعتبار لتكرار وعزمه وتعمم خاص وعكسه وإخراج المتكلم من الكلام.
12- وبالتزامه بالالتفات إلى ما لا ينفك ذهنا لعلاقة ذاتية كالملكة لعدمها وأحد المتضايفين للآخر أو عادة طبعية كالنور للكواكب والحرارة للنار أو عرفية كالسخاوة لحاتم والشجاعة لرستم.
13- ومنافاته لوجوب ارتفاع مقابلة.
14- واقتضائه لما يتوقف عليه صدقة عقلا أو شرعا أو عادة وهما بينان بالمعنى الأعم.
15- واستلزامه لما يترتب عليه ولا يعرف إلا بممارسة وفكر من غير البين.
16- وفحواه فيما عليته مناطة وحصوله في الفرع بالعرف واللغة.
17- والقياس عليه في مثله بالنظر.
18- واعتباره لاجتماع مباد في الذهن أورثت بسماعه ما لا ينقدح لغيره.
19- ومفهومه المخالف بشروطه حيث يتعين فائدة.
20- وتأليفه اقترانيا من مقدمتين في أثنائه مشتركتين في جزء واستئناثيا من شرطية أو فرع لأصل مع اعتراف أو إنكار لأحد طرفيها.
21- والاقتصار عليه عن الأبين والأرفق في معرض البيان.
ويخل به- أي بفهم المعنى- الجهل:
1- بالموضوع له.
2- والوضع.
3- وخواص التراكيب.
4- والمرجح.
5- والصارف.
6- والقرينة.
7- ثم توجه المفاسد.
8- والحذف.
9- والخلط.
10- والانتشار.
فبعد سكب السليقة بالتتلمذ يستعان بالفحص عن معادنها والشروح والحواشي وكتب الفن وإمعان الفكر وأعظم نفعها في الكتاب والسنة.
هذا ما تيسر لي بفضل الله وله المنة ومن ارتقى إلى الكمال فليزد فيه ما شاء فإن العلوم تتزايد بتلاحق الأفكار والله سبحانه دائم الجود مفيض الأسرار والحمد لله انتهى. كلامه وهو الباب الثاني من كتابه على التمام والكمال.
وقال الشيخ العلامة: عليم الله بن عبد الرزاق في شرح رسالة المطالعة ما عبارته:
واعلم أن المطالعة علم يعرف به مراد المحرر بتحريره وغايته الفوز بمراده حقا والسلامة عن الخطأ والتخطئة باطلا. وموضوعه المحرر من حيث هو. فإذا أردت الشروع في المطالعة وهو صرف الفكر في مبحث ليتجلى معناه فانظر وتأمل في المبحث مبتدئا من أوله منتهيا إلى آخره نظرا إجماليا.
لكن ينبغي أن يكون ذلك النظر على وجه ينتقش في ذهنك جملة المعنى المراد منه فإن انتقش في النظر الأول فذاك وإلا فذلك إما لخفاء في اللغة أو لغط أو لسهو أو لنسيان من النساخ بحذف أو زيادة أو قلب أو تصحيف أو لتعقيد أو لقصور فيك فراجع في الأول إلى كتب اللغة أو إلى من عنده علمها وفي الثاني والثالث والرابع إلى نسخة أصح منها وأما في الأخيرين فانظر نظرا ثانيا أو ثالثا فصاعدا حتى ينتقش المراد.
ثم بعد الانتقاش لاحظ الأمور التصورية من كل قضية منه أولا فأولا على الترتيب بدقة النظر في تلك الملاحظة واستبصر في كل من تلك الأمور هل يرد على واحد منها أمر من الأمور القادحة فيها أم لا والمراد بالورود ههنا التوجه الذي هو أعم منه وبعد ظهور ذلك الأمر من القوادح استبصر ثانيا هل يمكن دفع ذلك الأمر منها أم لا وبعد ظهر الدافع ثالثا هل يمكن دفع ما يدفع ذلك الدافع أم لا وهكذا إلى حيث يتوطن الذهن وآية التوطن اختبار بتثنية النظر وتثليثه فصاعدا على حسب المقام وبعد الفراغ من تلك الملاحظة لاحظ الأمور التصديقية أيضا بدقة النظر واستبصر في لك منها هل يتوجه على واحد منها شيء من الأشياء التي يقدح فيها أم لا. وبعد ظهور شيء من القوادح استبصر ثانيا هل يسوغ ويمكن التقصي عنها أم لا. وبعد ظهور التقصي عنها ثالثا هل يمكن التقصي عن ذلك التقصي أم لا. وهكذا إلى حيث يحصل التوطن وآيته ههنا آيته هناك. وبعد الفراغ عن تينك الملاحظتين لا حظ الأمور القادحة الموردة التي أوردها عليها مورد سواء كانت محررة في شرح أو حاشية أولا.
والغرض من هذه الملاحظة أن يظهر لك هل هي متوجهة كما هو في زعم المورد أم لا. فإن ظهرت غير متوجهة أصلا فلا تلتفت إليها إلا أن يكون المورد عظيم الشأن معتقد الكل أو الأكثر فهناك القصور فيك لا فيه فتوقف حينئذ واختبر نظرك بتكريره مرة بعد أخرى. ثم بالمطارحة مع الأقران ثم بالعرض على المشائخ والأستاذين فإن أزاحوا شبهتك فذاك وإلا فالتسليم والإحالة إلى وقت فتحه تعالى وإلا فاستبصر في دفعها هل هو ممكن أو لا. وبعد ظهور الدافع يمكن دفع ما يدفعه أم لا. وهكذا إلى حصول التوطن.
فإذا نظرت في المبحث من أوله إلى آخره على هذا الوجه المذكور فلا يخلو حالك عن أحد هذه الأمور الثلاثة:
إما أن لا تكون أنت واجدا ومصيبا لشيء من القوادح أصلا فعدم الوجدان والإصابة إما لقصور ذهنك عن إدراكه أو لعدمه لكمال من حرره في التحرير بحيث لا يتطرق إليه قدح ولا نقص أصلا أو لوقوع تحريره هذا كاملا.
وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة القادحة المدفوعة التي دفعها الناس أو أمكن دفعها.
وإما أن تكون أنت واجد الشيء من الأشياء الواردة الغير المدفوعة.
ولا قصور في شيء من هذه الأحوال التي هي في المورد الثلاثة المذكورة إلا في الحالة الأولى فإن القصور فيها محتمل كما تقدم. وإذا كانت ناشئة من القصور وظهر لك أن الحالة الأولى منشؤها قصور ذهنك عن دركه فلا تفتر جدك وجهدك في النظر والمطالعة بل استمر واثبت على ذلك فإن الممارسة لشيء والملازمة له تورث الكمال في ذلك الشيء. فإذا فرغت عن النظر في المبحث الأول بالطريقة المهدية إليها الهادية إلى الحق فانظر في المبحث الثاني من أوله إلى آخره على الوجه الذي أريناك فإن ظهر عليك أن القصور في نفسك باق بعد بأن لم تجد مدعاه أو شيئا من القوادح فلا تفتر جدك وجهدك في النظر والمطالعة بل أثبت فانظر في المبحث الثالث على ذلك الوجه وهكذا إلى أن يتم الكتاب.
فإن حصل لك الكمال فذلك وإلا فإعادته إلى كتاب آخر فآخر إلى أن يحصل لكل الكمال. وعد نفسك محلا قابلا لفيضان الكمالات عليها ولا تيأس من فضل الله فإنك أيها العاقل لست من الذين قد محاهم المخاطبون عن دفاترهم وفضل الله على الخلق أوسع من خواطرهم. وإذا وقع جدك وجهدك في المطالعة على هذا النهج والطريق المذكور سنة أو أكثر إلى سنتين لا أظنك أن لا تترقى بل أجزم أن تترقى في المطالعة إلى وجه تقدر على تمييز المقبول من الأحكام عن المردود منها فإذا صرت مقتدرا كامل القدرة على ذلك الطريق بحيث لا يحوم حولك قصور ولا خطأ ولا فتور فارتق إلى حيث خلقت نوعا أو شخصا له من المراتب العالية من الكمالات النفسية التي هي معرفة الله تعالى ذاتا وصفة حيث قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أي ليعرفون كما فسر بعضهم.
قف: اعلم أن الشارح والمحشي إذا زاد على الأصل شيئا فالزائد لا يخلو إما أن يكون بحثا أو اعتراضا أو تفصيلا لما أجمله أو تكميلا لما نقصه وأهمله والتكميل إن كان مأخوذا من كلام سابق أو لاحق فإبراز وإلا فاعتراض فعلى الأولين إما تفسير لما أبهمه فإن كان بكلمة أي أو بالبيان أو بالعطف فتفسير باللفظ وإن كان بكلمة يعني أو ما يرادفه فتفسير بالمعنى الظاهر.
وصيغ الاعتراض مشهورة ولبعضها محل يشارك فيه الآخر فيرد وما اشتق منه لما لا مدفع له بزعم المعترض ويتوجه والمشتق منه أعم منه ونحو إن قلت مما هو بصيغة المعلوم شرطا لما تحقق له الجواب مع قوة في البحث ونحو إن قيل له مع ضعف فيه وقد يقال ونحوه لما فيه ضعف شديد ونحوه لقائل لما فيه ضعف ضعيف وفيه بحث ونحوه لما فيه قوة سواء تحقق الجواب أولا وصيغة المجهول ماضيا كان أو مضارعا ولا يبعد ويمكن كلها صيغ التمريض يدل على ضعف مدخولها بحثا كان أو جوابا وأقول وقلت لما هو خاصة القائل.
وقد اشتهر من الأستاذين أن لا يبعد أن شرح الكافية للشيخ الأجل الكامل في الكل الشيخ عبد الرحمن الجامي قدس سره من خواصه. وكذا قد يقالات شرح المواقف للسيد سند الكل في الكل له خاصة. واختيار صيغ التمريض تواضع منهما رفع الله تعالى قدرهما.
وإذا قيل حاصله أو محصله أو تحريره أو تنقيحه أو نحو ذلك فذاك إشارة إلى قصور في الأصل واشتماله على حشو وإيهام. وتراهم يقولون فيم قام إقامة شيء مقام آخر مرة نزل منزلته وأخرى أنيب منابه وأخرى أقيم مقامه فالأول في إقامة الأعلى مقام الأدنى والثاني بالعكس والثالث في المساواة وإذا رأيت واحدا منها مكان الآخر فهناك نكتة وإنما اختاروا في الأول التفعيل وفي الأخيرين الأفعال لأن تنزيل الأعلى مكان الأدنى يحوج إلى العلاج والتدريج.
وربما يختم البحث بنحو تأمل فهو إشارة إلى دقة المقام مرة وإلى خدشة فيه أخرى سواء كان ب فيه أو بدونها إلا في مصنفات العلامة مولانا جلال الدين الدواني نور الله مرقده فإنه ب فيه إشارة إلى الثاني وبدونها إلى الأول. وهذا اصطلاح جديد له على ما نقله عنه بعض تلامذته مختص بها غير متجاوز عنها انتهى. ملخصا.

.أدب البحث:

هو علم يوصل به إلى كيفية الاحتراز عن الخطأ في المناظرة. وموضوعه المناظرة إذ يبحث فيه عن أحوالها وكيفياتها وأوردنا ههنا ما هو المطلب الأعلى والاهتمام بشأنه هو المقصد الأقصى فنقول:
لا بد أن يعلم أولا أن المعلل ما دام في تقرير الأقوال والمذاهب وتحرير المباحث لا يتجه عليه ولا يطلب منه شيء سوى تصحيح النقل وتصريح أن فلانا قال كذا في كذا إن طولب به فإذا شرع في إقامة الدليل على ما ادعاه يتجه عليه طريق المناظرة.
قف: اعلم أن كلام المناظرين إما أن يقع في التعريفات أو في المسائل فإن وقع في التعريفات فللسائل طلب الشرائط وإيراد النقض بوجود أحدهما بدون الآخر ولا يرد عليه المنع لأنه طلب الدليل والدليل على التصديق إلا أن يدعي الخصم حكما صريحا بان يقول هذا مفهومه لغة أو عرفا أو اصطلاحا أو ضمنا. فللسائل أن يمنع وللمعلل- أي المجيب- أن يجيب والجواب عن التعريف الاسمي سهل حاصله يرجع إلى الاصطلاح وإلى أن يقول المعلل:
إن مرادي بهذا اللفظ هذا المعنى وعن التعريف الحقيقي أعني تعريف الماهيات الموجودة في الخارج صعب إذ لا مدخل فيه للاصطلاح بل يجب فيه العلم بالذاتيات بالذاتيان والعوارض والتفرقة بينهما بان يفرق بين الجنس والعرض العام والفصل والخاصة وهذا متعسر جدا في التعريف بل متعذر وكذا لا نرد عليه المناقضة فإنها هي طلب الدليل الدال على نقيض المدعي والدليل منتف هنا وإن وقع في المسائل فإذا شرع المعلل في إقامة الدليل فالخصم إن منع مقدمة معينة من مقدماته أو كليهما على التعينين فذاك يسمى مناقضة ونقضا تفصيليا فلا يحتاج فيه إلى شاهد.
وإن ذكر شيئا مما يتقوى به المنع يسمى سندا فإن لم يذكره لم يجز الاعتراض عليه إلا إذا ادعى مساواته المنع لأن السند ملزوم لثبوت المنع وانتفاء الملزوم لا يستلزم انتفاء اللازم لكن على تقدير المساواة يمكن انتفاؤه وأكثر ما يستند إليه يذكر مساويا فلذا شاع الكلام عليه.
وإن منع مقدمة غير معينة بان يقول: ليس هذا الدليل بجميع مقدماته صحيحا بمعنى أن فيها خللا فذلك يسمى نقضا إجماليا ولا يسمع إلا أن يذكر الشاهد على الخلل وإن لم يمنع شيئا من المقدمات لا إجمالا ولا تفصيلا بل قابل بدليل دال على نقيض مدعاه يسمى معارضة ويصير السائل معللا وبالعكس.
واعلم أن السؤال المتعلق بالإفهام يسمى الاستفسار وهو طلب بيان معنى اللفظ في الأغلب وإنما يسمع إذا كان في اللفظ إجمال أو غرابة وكذلك كل ما يمكن فيه الاستبهام حسن فيه الاستفهام وإلا فهو لجاج وتعنت ولفائدة المناظرة مفوت إذ يأتي في كل لفظ تفسير فيتسلسل والجواب عن الاستفهام ببيان ظهوره في مقصوده إما بالنقل عن أهل اللغة أو بالعرف العام أو الخاص أو بالقرائن المضمومة وإن عجز عن ذلك كله فالتفسير بما يصح لغة وإلا يكون من جنس اللعب فيخرج عما وضعت له المناظرة وإظهار الحق.
وهذا الاستفهام يرد على تقرير المدعي وعلى جميع المقدمات وعلى جميع الأدلة فلا سؤال أعم منه.
تنبيه: من الواجب على المعلل أن لا يستعجل بالجواب بل يطلب منه توجيه المنع وتحقيقه إذ ربما لا يتمكن المانع توجيهه أو يظهر فساده أو يتذكر جوابه فإذا أجيب فعلى المانع أو لا يستعجل بل ويطلب توجيه الجواب وتفصيله إذ ربما لا يقدر عليه أن يكون غلطا.
ومما يجب على المتناظرين أن يتكلما في كل علم بما هو حده ووظيفته فلا يتكلما في اليقيني بوظائف الظني وبالعكس.

.الباب الرابع: في فوائد منثورة من أبواب العلم وفيه مناظر وفتوحات:

.المنظر الأول: في العلوم الإسلامية:

اعلم أن العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد التي يخوض فيها البشر ويتداولونها فيما بينهم تحصيلا وتعليما هي على صنفين:
صنف طبيعي: للإنسان يهتدي إليه بفكره وصنف نقلي: يأخذه عمن وضعه.
والأول: هي العلوم الحكمية الفلسفية وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها حتى يقفه نظره وبحثه على الصواب من الخطأ فيها من حيث هو إنسان ذو فكر.
والثاني: هي العلوم النقلية الوضعية وهي كلها مستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي ولا مجال فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول لأن الجزئيات الحادثة المتعاقبة لا تندرج تحت النقل الكلي بمجرد وضعه فتحتاج إلى الإلحاق بوجه قياسي إلا أن هذا القياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الأصل وهو نقلي فرجع هذا القياس إلى النقل لتفرعه عنه.
وأصل هذه العلوم النقلية كلها هي: الشرعيات من الكتاب والسنة التي هي مشروعة لنا من الله ورسوله وما يتعلق بذلك من العلوم التي نهيئها للإفادة ثم يستتبع ذلك علوم اللسان العربي الذي هو لسان الملكة وبه نزل القرآن.
وأصناف هذه العلوم النقلية كثيرة لأن المكلف يجب عليه أن يعرف أحكام الله تعالى المفروضة عليه وعلى أبناء جنسه وهي مأخوذة من الكتاب والسنة بالنص أو بالإجماع أو بالإلحاق فلا بد من النظر في الكتاب ببيان ألفاظه أولا وهذا هو: علم التفسير ثم بإسناد نقله وروايته إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء به من عند الله واختلاف روايات القراء في قراءته وهذا هو: علم القراءات ثم بإسناد السنة إلى صاحبها والكلام في الرواة الناقلين لها ومعرفة أحوالهم وعدالتهم ليقع الوثوق بأخبارهم بعلم ما يجب العمل بمقتضاه من ذلك وهذه هي: علوم الحديث ثم لا بد في استنباط هذه الأحكام من أصولها من وجه قانوني يفيد العلم بكيفية هذا الاستنباط وهذا هو: أصول الفقه وبعد هذا تحصل الثمرة بمعرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين وهذا هو: الفقه ثم إن التكاليف منها: بدني ومنها: قلبي وهو المختص بالإيمان وما يجب أن يعتقد وما لا يعتقد وهذه هي: العقائد الإيمانية في الذات والصفات وأمور الحشر والنعيم والعذاب والقدر والحجاج عن هذه بالأدلة العقلية هو: علم الكلام ثم النظر في القرآن والحديث لا بد أن تتقدمه العلوم اللسانية لأنه متوقف عليها وهي أصناف فمنها: علم اللغة وعلم النحو وعلم البيان وعلم الأدب حسبما نتكلم عليها كلها.
وهذه العلوم النقلية كلها مختصة بالملة الإسلامية وأهلها وإن كانت كل ملة على الجملة لا بد فيها من مثل ذلك فهي مشاركة لها في الجنس البعيد من حيث إنها علوم الشريعة المنزلة من عند الله تعالى على صاحب الشريعة المبلغ لها وأما على الخصوص: فمباينة لجميع الملل لأنها ناسخة لها وكل ما قبلها من علوم الملل فمهجورة والنظر فيها محظور فقد نهى الشرع عن النظر في الكتب المنزلة غير القرآن.
قال صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد».
ورأى النبي صلى الله عليه وسلم في يد عمر- رضي الله عنه- ورقة من التوراة فغضب حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال: «ألم آتكم بها بيضاء نقية والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي».
ثم إن هذه العلوم الشرعية النقلية قد نفقت أسواقها في هذه الملة بما لا مزيد عليه وانتهت فيها مدارك الناظرين إلى الغاية التي لا فوقها وهذبت الاصطلاحات ورتبت الفنون فجاءت من وراء الغاية في الحسن والتنميق.
وكان لكل فن رجال يرجع إليهم فيه وأوضاع يستفاد منها التعليم واختص المشرق من ذلك والمغرب بما هو مشهور منها وقد كسدت لهذا العهد أسواق العلم بالمغرب لتناقص العمران فيه وانقطاع سند العلم والتعليم وما أدري ما فعل الله بالمشرق؟ والظن به نفاق العلم فيه واتصال التعليم في العلوم وفي سائر الصنائع الضرورية والكمالية لكثرة عمرانه والحضارة ووجود الإعانة لطالب العلم بالجراية من الأوقاف التي اتسعت بها أرزاقهم- والله سبحانه وتعالى هو الفعال لما يريد وبيده التوفيق والإعانة-.